عجيب والله أن ترى أناسا من البشر البهائم خيراً منهم ، كيف لا ؟ والله جل جلاله قد بين لنا هذا في كتابه الحكيم حيث وصف من عمي عن الحق وصمَّ أذنه عن سماعه وانتكس فؤاده عن تدبره .. قال الباري سبحانه عن هذه النوعية : ( إن هم إلا كالأنعام ) ..
وهذا تشبيه لهم بالأنعام ولكن ليت هذا فحسب بل أسمع ماذا قال عنهم رب العزة والجلال : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) فيا خيبة إنسان الحيوانات خير منه .
اليهود مثلاً شبههم الله بالحمير .. وعالِم السوء شبهه الله بالكلب . عياذاً بالله .. وهناك أناساً لو تأملت حالهم لو جدت أن الحيوانات فعلاً خيراً وأكرم منهم .. وبشكل عام أنظر إلى هذا المثال ليتضح لك المقال .
الملائكة مخلوقات عقولٌ بلا شهوة ، والحيوانات شهوةٌ بلا عقول ، والإنسان مركب من عقل وشهوة ، فمن غلب عقله على شهوته ، كان شبيه بالملائكة بالطهارة والصلاح ، ومن غلبت شهوته على عقله فهو كالبهائم غاية ما يسمو إليه أكل ونوم وقضاء وطر وهذه هي حال الأنعام .
تأمل إلى حال بعض الناس تجد رجلاً متطلعٌ دائماً إلى معالي الأمور ، فتجده في ارتقاء وسمو وعلو ، سمو الروح ، سمو الهدف ، أخلاق راقية ، تعامل رفيع ، فهذا لا تكاد تجده عند قبائح الأعمال أبداً ( فهذا شبيه بالنسر والصقر لا تجده إلى على القمم ) .
وتأمل إلى نقيضه صاحب الخلق القبيح والأفعال المشينة ، صاحب الغيبة والنميمة صاحب الكذب والبهتان صاحب الشيشة والدخان ، صاحب اللهو والمعازف والنساء والغلمان ، غاية همته يحقق ما يشتهي بغض النظر عن حقارة ما يقوم به أهم شيء أن يحقق ما يريد ( فهذا شبيه بكل جدارة بالغراب ) .
كن كالنسور على الذرى تصغي لوشوشة القمر
واحذر بأن تكن الغراب يهفو إلى جيف الحفر
وتأمل معى هذه المخلوقات :
النملة : مثال لمن ضعفت همته ويئس من طول الطريق .. أنظر إلى النملة التي تحمل أضعاف وزنها لتطعم نفسها وجماعتها إن سُد عليها طريق سلكت طريقاً آخر ، فلا تكل ولا تمل من الصباح الباكر تجدها في عمل دؤوب ، تسعى لتحقيق هدفها .
النحلة : وهذه رسالة من النحلة إلى كل من شغف بتتبع الزلات وبترقب الأخطاء والهفوات ، تقول لك النحلة كن مثلي لا تبحث إلا عن العسل الطيب الذي ينفع الناس ويشفيهم ، كن مثلي إذا وقعت على غصن لم أكسره ..
لا تكن غليظً قاسياً لا تقع على شيئاً إلا أفسدته بسوء فعلك ، كن مثلي في التعاون مع سربي في المساعدة والمعاونة ، ولا تكن متغرضاً ومتقصداً لأخطاء غيرك تذكرها بكل مكان وكأنك ظفرت بكنزٍ ثمين تنشره بين الناس : ( فتشبه بي ولا تكن كالذبابة لا تقع إلا على الجروح ومواضع القذر ) .
إن لنا في الحيوانات لعبرة فلبئس العبد عبدٌ الأنعام خيراً منه .