موضوع: الكيف" الأسود الثلاثاء مارس 25, 2008 3:24 pm
المخدرات .. أو عالم "الكيف الأسود"، لا يفرق بين غني وفقير ولا بين امرأة ورجل، حتى الأطفال أصبحوا من ضحاياه. فضيوف "المزاج" من كل الطبقات، ورغم أن الأغنياء هم أغلب الزوار إلا أن الفقراء أيضا يتعاطونها مع فرق في جودة "الصنف"، فهناك حشيش الأغنياء كما للفقراء حشيشهم.
تؤكد الأرقام أن المخدرات كارثة ضربت بجذورها في أعماق المجتمع المصري، ويستفحل أمرها عاما بعد عام، وهو ما أكدته إحصائيات وزارة الداخلية التي أشارت إلى أن حجم الاتجار في المخدرات في مصر وصل خلال العشر سنوات الأخيرة 188إلى مليار جنيه، وهو ما يمثل تقريبا 1.4% إلى 21% من إجمالي الناتج القومي.
ولأن البعض يفضل تحمل المسئولية وعدم تركها على عاتق الدولة وحدها، ويرفض أن يظل مشاهدا مكتوف اليدين تجاه هذه التجارة المدمرة، جاءت فكرة إنشاء جمعية أهلية تحت مسمى "جمعية الخطوة الأولى لمكافحة المخدرات والوقاية من الإدمان".
هل نجحت هذه الجمعية في تحقيق هذا الهدف ؟ هل قدمت جديدا ؟ ما هي العقبات التي صادفتها؟ كيف تتعامل مع المدمن ؟ وكيف تكون رحلة علاجه ؟ كل هذه الأسئلة يجيب عليها اللواء "عبد القادر الخضري" المدير التنفيذي وعضو مجلس إدارة الجمعية لشبكة الأخبار العربية "محيط" من خلال الحوار التالي.
محيط : لماذا تم اختيار مدينة الشيخ زايد لإقامة هذه الجمعية، وهو مكان بعيد كثافته السكانية ضعيفة؟
المدن الجديدة هي الأشد احتياجا لنشاط الجمعية، لكثرة الشقق المفروشة بها والتي يرتكب بها العديد من الجرائم على رأسها تعاطي المخدرات، بالإضافة إلى إقبال فئة العمال عليها، ولذا جاءت ضرورة وجود الجمعية في مدينة الشيخ زايد.
أما المأساة الحقيقة لظاهرة الإدمان فتجسدها أرقام صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، والتي تفيد أن 70% من الشباب يتعاطون المخدرات في الشوارع، وأن 62.5% من المتعاطين يتراوح عمرهم بين 5و10 سنوات، و30.8 % بدأوا التعاطي من سن 10 إلى 14 سنة.
أما أكثر المخدرات انتشارا بين الشباب فيؤكد الصندوق أن البانجو يأتي في المقدمة بنسبة 95.1%، ثم الحشيش 21.6%، والأقراص المخدرة 34%.
والكارثة الكبرى تكشف عنها وزارة الداخلية، حيث بلغ حجم الاتجار في المخدرات في مصر خلال الـ 10 سنوات الأخيرة 188 مليار جنيه.
محيط : كيف جاءت فكرة تكوين الجمعية ؟ وهل قابلتها صعوبات ومشكلات؟
فكرة الجمعية ترجع في الأساس للإعلامي "مجدي شريف"، الذي لمس معاناة المدمنين من خلال تجربة بنت صديق عزيز عليه، فبدأ يتساءل لماذا لا نفكر في مساعدة هؤلاء؟ وقام بالاتصال بالدكتور "أسامة الباز" المستشار السياسي للرئيس المصري حسني مبارك، الذي أبدى اهتماما كبيرا بهذه القضية لمشاركته في إقامة الجمعية، وبالفعل تم إقامة المؤتمر الأول ومن ثم إنشاء الجمعية في عام 2002.
وضم مجلس إدارة الجمعية مجموعة من نجوم المجتمع مثل د. "أسامة الباز"، والأستاذ "مجدي الجلاد" رئيس تحرير المصري اليوم، والإعلامي المشهور "طارق علام" و"بدر الدين أدهم" نائب رئيس تحرير الأخبار وغيرهم.
وبدأت الجمعية عملها بعمل اتفاق مع صندوق معالجة الإدمان التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وكنا نرسل الحالات التي تأتي إلينا إلى المستشفى ليتم علاجها على نفقة الدولة.
أما بالنسبة للصعوبات التي واجهت الجمعية ومازالت تعاني منها، فقد تمثلت في مشكلة التمويل، ولكن المجلس القومي للطفولة والأمومة مد لنا يد المساعدة بالنسبة لتنظيم ندوات التوعية للشباب. ولكن تظل مسألة تنمية إيرادات الجمعية هي أهم المعوقات، لكن القانون نفسه يضع أمامنا العراقيل، والبيروقراطية تضع لنا المزيد من الإجراءات المعقدة في وجه إقامة حفلات أو عمل رحلات تابعة للجمعية تدر عليها دخلا، وبالتالي نحتاج بشدة لتطوير القانون لكي يساعد ذلك في إتمام قيام الجمعيات الأهلية بمهامها في سهولة ويسر.
محيط : وما هو دور الجمعية في وقاية الشباب من الوقوع فريسة سهلة للإدمان؟
تقوم الجمعية بعمل دورات تدريبية للشباب في مراكز الشباب والنوادي للتوعية بأخطار المخدرات، بالإضافة إلى عمل مجموعة من الإعلانات بأشكالها المختلفة، والعمل على إعداد جيل واعي بمخاطر الإدمان وقادر على مناهضة التدخين باعتباره بوابة الإدمان.
وبما أن الصغار عادة ما يكونوا الفريسة السهلة للوقوع في عالم المخدرات، فقد قامت الجمعية بتوعية أولياء الأمور عن طريق كتيب أصدرته تحت عنوان (المدمن .. صناعة عائلية)، وطبعت منه حوالي نصف مليون نسخة تم توزيعها مجانا على أكبر عدد ممكن من الناس.
أيضا اشتركت الجمعية في العديد من المؤتمرات، منها مؤتمر خفض الطلب على المخدر تحت رعاية السيدة "سوزان مبارك" و"السيدة مشيرة خطاب".
ومن خلال العمل الميداني نزلت الجمعية للمناطق الشعبية والعشوائية، لرصد حجم المشكلة وتوعية أهالي هذه المناطق، وبدأت في تبادل التقارير مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائيه.
محيط : وهل تضع الجمعية خطة مستقبلية للمزيد من التقدم في هذا المجال؟
يدرس مجلس إدارة الجمعية حاليا إنشاء مركز للرعاية اللاحقة للمدمنين تمنع ارتدادهم، نقوم من خلاله بتأهيل المدمن المتعافي من الإدمان لتأهيله صحياً ونفسياً ومهنيا لواحتاج الأمر، بحيث يخرج فردا صالحا للمجتمع ويصبح حائط صد لأي محاولة إدمان أخرى.
وتظهر أهمية إنشاء هذا المركز من خلال تجربة الجمعية، حيث نجحت حتى الآن في علاج 34 حالة ارتد منها للأسف 11 حالة، وهي نسبة كبيرة لذا تزداد الحاجة لوجود مثل هذه المراكز التي تستضيف المدمن بعد علاجه مدة شهرين أو ثلاثة، يعالج بها نفسيا بواسطة أساتذة الطب والاجتماع وعلم النفس، بالإضافة إلى إعداده مهنيا إذا كان يعاني البطالة والحاجة.
محيط : حالياً .. هل ظهرت أنواع جديدة من المخدرات لم تكن موجودة من قبل؟
الجديد بالنسبة للأطفال وخاصة أطفال الشوارع، أنهم يقبلون على شم "الكله" و"الغراء" و"البنزين" و"التنر" وبخاخات "الإسبراي" وغاز "الولاعات" و"البويات" و"الكحول" و"الأسيتون" وورنيش تلميع الأحذية وعادم السيارات، وابتداعهم لفكرة حرق النمل والحشرات، وللأسف فإن أطفال المدارس نتيجة فضولهم وحبهم للتجربة يقعون فريسة سهلة لإدمان هذه المواد، بجانب تدخينهم للسجائر، وعندما يصلون لفترة المراهقة يبحثون عن شيء جديد (يعملوا دماغ) فبعضهم يتجه للخمور وآخرون يتعاطون البانجو والحشيش.
وقد ابتكر تجار المخدرات طريقة جديدة لصنع الهيروين، تدر عليهم المزيد من الأموال، فيقوموا بطحن أقراص البرد مثل "فلورست" أو"فلوستوب" مع عظم جمجمة الميت مع كمية من الهيروين، لكي يكتسب اللون البني اللامع المميز له، ثم يتم بيعها للشباب بثمن أقل من الهيروين النقي، كما ابتكروا أيضا طريقة جديدة لتعاطيه فينصحون المدمن بوضعه في ملعقة وعصر ليمونة عليه ووضعه في سرنجة ثم تعاطيه في الوريد، مما يتسبب في إصابة المدمن بسرطان المخ والكبد وجميع أنواع السرطانات، وهي طريقة سريعة لإعدام شباب مصر.
وهناك أيضا الرهابينول "أبو صليبة"، والتي يستهدف به تجار المخدرات طلبة المدارس وخاصة وقت الامتحانات، حيث يعمل أعوانهم داخل المدرسة وخارجها على إغرائهم لتناول هذه الأقراص بحجة أنها تساعد على السهر والمذاكرة، وبعد التناول يتبدل حال الطالب فيسهر ويذاكر ولكن دون نتيجة تذكر وقت الامتحان، ثم يبدأ في مرحلة التعود على هذه الأقراص ثم الإدمان.
[td]
يذكر أن هذه الأقراص تباع في الصيدليات ولا تصرف إلا بوصف الطبيب، لكن من يسعون للربح الحرام يشترونه بـجنيهين أو ثلاثه ويبيعونها بـثلاثين جنيها للطلبة.
كما أن هناك الطابع أو (LSD) وهو مثل طابع البريد، يوضع على الجلد لينتشر تأثيره في الجسم كله، وهذا النوع مخصص للطبقات الغنية لأن سعره مرتفع جدا.
ويوجد أيضا الإكستازي وأقراص الصراصير التي تسبب عته للشخص، فيتخيل أن الأرض ملئت بالصراصير، ويتخيل أشياء غريبة مثلا لو صعد للدور الـ 12 يرى أن الأرض قريبة وقد يلقى بنفسه من هذا الارتفاع، وهذه الأصناف يتناولها بعض الناس الراغبين في الضحك أو (الخفافة)، وبعد أن يتناول الشخص هذه الأقراص يقبل على تعاطي أي نوع آخر من المخدرات لعمل دماغ كما يقولون.
أما بالنسبة للأفيون والكوكايين فهما نادرين وأسعارهما غالية لذلك فالإقبال عليها ضعيف.
محيط : من خلال عملك بالجمعيه واتصالك المباشر مع هؤلاء الشباب؛ في رأيك ما هي الدوافع وراء إقبال البعض على تعاطي المخدرات؟
بالطبع الإدمان لا يأتي من فراغ، فهناك أسباب كثيرة قد تؤدي إلى دخول الفرد لعالم المخدرات، أهمها الخلافات الأسرية وما يحدث من شجار الوالدين أمام الأطفال الصغار، وهي من أهم وأخطر الأسباب.
يليها الفقر حيث يخرج الطفل للشارع ويتم خطفه وإجباره على التسول ثم يقبل على شم الكلة وغيرها.
أيضا التدليل الزائد عن الحد أوغياب الإشراف الأسري، من الأسباب الهامه وراء هذه الظاهرة، فعلى كل من الأب والأم أن يلاحظوا أولادهم في مراحلهم العمرية المختلفة، والمتغيرات التي قد تطرأ عليهم وعلى سلوكهم للتعرف على أصدقائهم، فهم في أغلب الأحيان المؤثر الأكبر عليهم.
أما بالنسبة لإدمان الكبار، فيعود إلى الفراغ والبطالة والإعلام الفاسد الذي يصور المدمن "سوبر" و"عامل دماغ"، وهو في كل الأحوال لم يعط الرسالة الواجبة للمجتمع، ولم يقدم للناس أسباب الإقبال على الإدمان.
كما أنه يركز بشكل كبير على تجار المخدرات وكيف يكونون ثروات هائلة ويمتلكون الأسلحة، وهذه ليست قضية الناس بل قضيتهم معرفة الأسباب كما ذكرنا، وأعراض الإدمان لتوعية أهل المنزل وسرعة إنقاذهم لمن يقع من أفرادها بين براثنه.
محيط : وماذا عن الأعراض التي تظهر على من دخل عالم الإدمان ؟
يميل الشخص للعزلة والانطواء والسرية ويتجنب أفراد الأسرة. ويعاني من عدم انتظام مواعيده، وصعوبة نومه قبل الصباح وصعوبة الاستيقاظ. كما أنه يغيب عن البيت لفترات طويلة، ويطالب بزيادة مصروفه وأشياء لم يكن معتادا عليها، مثلا يكون الولد عمره 12 سنه ويطلب كوبا من القهوة.
أيضا يصبح عدوانيا وحاد المزاج في أي نقاش عادي،وينخفض مستواه الدراسي وتقل قدرته على الاستيعاب بشكل ملحوظ، ويعاني من زكام دائم ويفقد شهيته للطعام.
محيط : في الغالب من الذي يلجأ لمساعدة الجمعية هل المدمن نفسه أم أحد أفراد أسرته؟
من المفترض أن يشعر المدمن بمشكلته ويأتي للجمعية من تلقاء نفسه، أحيانا يأتي الأب أو الأم أو الأخ ويقول أن عنده مريض لكنه لا يريد أن يحضر للجمعية، وبالتالي لا فائدة من مجرد ذكر أقارب المدمن لوجود مشكلة. فالمدمن من السهل جدا علاجه بشرط أن تكون لديه الرغبه الخالصة في العلاج.
محيط : علاج المدمن هل يتم على عدة مراحل؟ وكم يستغرق من وقت؟ وهل تكلفته في متناول غالبية العائلات ؟
في البداية يحضر المدمن لمقر الجمعية ونتحاور معه ونتعرف على مشكلته، فإذا كانت قاصرة على مشكلة نفسية فقط نقدم له النصح والإرشاد، ففي بعض الأحيان يحضر إلينا البعض ممن يعانون من التعاطي غير المنتظم للمخدرات والتعود عليه دون الوصول لمرحلة الإدمان، فمثلا هناك من يشرب حشيش بمعدل مرة كل أسبوع أو كلما قابل أصدقاءه، وعندما يحضر لمقر الجمعية ننصحه ونعطيه من كتيبات ونشرات الجمعية فيطبق ما بها من إرشادات ومن ثم يتعافى.
أما بالنسبة لمن وصل لمرحلة الإدمان فيتم علاجه فور حضوره للجمعية، ثم يتم تحويله لمستشفى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، ليبدأ برنامج العلاج المجاني الذي يكلف الصندوق في أسبوعه الأول فقط ما بين 30 - 60 ألف جنيه، وهي الفترة التي يتم خلالها سحب المخدر من الجسم.
وبعد ذلك يستضيف المستشفى المدمن لمدة ثلاث شهور يتلقى خلالها جلسات علاج صحي ونفسي، ويحضر ندوات ثم يخرج معافى تماما، ولكن هذا الشخص معرض للارتداد ثانية للتعاطي إذا عاد لنفس الظروف التي دفعته للإدمان، أو يرجع ليجد نفسه خارج الرقابة، ومن هنا تأتي أهمية مركز الرعاية اللاحقة.